ذكرى المولد النبوي الشريف
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم يوم مولده
كان صلى الله عليه وسلم يعظم مولده ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، إذ سعد به كل موجود، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام
جاء في الحديث عن أبي قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال:: ''فيه ولدت، وفيه أنزل علي'' أخرجه مسلم 2738، وأبو داود 2425 والترمذي 749، والنسائي 2382، وابن ماجه 1713، وأحمد 5/296، وابن خزيمة 2087، وابن حبان ,3642 والبيهقي 4/286، وابن أبي شيبة 3/78، والبغوي .1789 وهذا في معنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو سماع شمائله الشريفة أو إكرام يتيم، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت، فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها، وتعظيم يومها لأجلها ولأنه ظرف لها.
وقد أصّل النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة بنفسه كما صح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، سأل عن ذلك فقيل له: إنهم يصومونه لأن الله نجّى فيه نبيهم وأغرق عدوهم فهم يصومون شكرا لله على هذه النعمة، فقال صلى الله عليه وسلم: ''نحن أولى بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه'' أخرجه البخاري 394 ومسلم .2651 وقد استحسن العلماء والمسلمون في جميع البلاد عمل المولد النبوي الشريف، وجرى به العمل في كل صقع.
ملوك الجزائر والمولد النبوي الشريف
قال الإمام أحمد المقري في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج 6 ص 513 ''وكان السلطان أبو حمو موسى صاحب تلمسان يحتفل ليلة مولد رسول الله صلى الله عليم وسلم غاية الاحتفال، كما كان ملوك المغرب والأندلس في ذلك العصر وما قبله'' اهـ. وقال الحافظ أبو عبد الله التنسي ثم التلمساني في كتابه ''نظم الدر والعقيان في شرف بني زيان وذكر ملوكهم الأعيان'' ما نصه: ''وكان السلطان أبو حمو يقوم بحق ليلة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ويحتفل لها بما هو فوق سائر المواسم.. والسلطان لم يفارق مجلسه الذي ابتدأ جلوسه فيه، وكل ذلك بمرأى منه ومسمع حتى يصلي هناك صلاة الصبح.
على هذا الأسلوب تمضي ليلة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أيام دولته أعلى الله تعالى مقامه في عليين، وشكر له في ذلك صنيعه الجميل آمين. وما من ليلة مولد مرت في أيامه إلا ونظم فيه قصيد في مديح مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم أول ما يبتدئ المسمع في ذلك الحفل العظيم بإنشاده، ثم يتلوه إنشاد ما رفع إلى مقامه العلي في تلك الليلة نظما. انتهى
أقوال العلماء في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
ـ قال الحافظ السيوطي في الحاوي للفتاوي 1/292 ''هو من البدع الحسنة التي يقاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف''. اهـ
ـ وقال ابن الحاج في المدخل 1/361 ''فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم'' اهـ
ـ وقال العلامة ابن عباد المالكي في رسائله الكبرى ما نصه ''وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم، وكل ما يفعل مما يقتضيه الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشموع، وإمتاع البصر والتزين بلبس فاخر الثياب، وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر على أحد، قياسا على غيره من أوقات الفرح والحكم بكون هذه الأشياء بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود وارتفع فيه علم الشهود وانقشع فيه ظلام الكفر والجحود، وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان أمر مستثقل تشمئز منه القلوب السليمة، وتدفعه الآراء المستقيمة''.
ـ وقال العلامة محمد بن أحمد بنيس، وهو من كبار علماء المالكية ''ثبت أن ليلة ولادته التي ولد فيها أو ولد في صيحتها أفضل الليالي، واليوم الذي تسفر عنه أفضل الأيام فهو عيد وموسم فيعظم ويحترم، ويعمل فيه ما يدل على التعظيم والاحترام كما اختاره الحافظان الزين العراقي والجلال السيوطي'' انظر شرح المواهب للحافظ الزرقاني ج 1 ص .25
- وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في شرحه للمولود الذي كتبه الإمام ابن حجر الهيتمي ما نصه ''أعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف في الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم'' ا هـ
- وقال شيخ الإسلام العلامة الإمام الحافظ العربي التباني الجزائري في كتابه -التوسل بالنبي وبالصالحين- ص113 ''يسوء التيميين جدا اجتماع الناس على سماع قراءة ما تيسر من القرآن الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، وقراءة شمائله الكريمة تعظيما لقدره صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولوده الشريف، ثم مد طعام لهم يأكلون وينصرفون، يرون هذا العمل منكرا عظيما تجب عليهم إزالته باليد، فإن سمعوا بإنسان عمل مولدا كبسوه ككبسهم المجتمعين على الفسق وشرب الخمر، وعمل المولد على الكيفية المذكورة- وإن حدث بعد السلف الصالح- ليس فيه مخالفة لكتاب الله ولا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا لإجماع المسلمين، فلا يقول من له مسكة من عقل ودين بأنه مذموم فضلا عن كونه منكرا عظيما، وكون السلف الصالح لم يفعلوه صحيح، ولكنه ليس بدليل وإنما هو عدم دليل، ويستقيم الدليل على كونه ممنوعا أو منكرا لو نهى الله تعالى عنه في كتابه العزيز أو نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في سنته الصحيحة، ولم ينه عنه فيهما، وهم دائما يتيهون في بيداء العدم الذي سنه لهم شيخهم الحراني، فتمسكهم على منعه بعدم فعل السلف له ليس بدليل، وإنما هو ذر الرماد في العيون، والحقيقة في كونه عندهم منكرا عظيما هي تعظيمه صلى الله تعالى عليه وسلم، وتعظيمه -في زعمهم- شرك ينافي التوحيد، وقد كذبهم الله تعالى في كتابه العزيز قال تعالى ''ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه'' وقال تعالى ''ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب'' ا هـ.
-وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني- في الفتاوى الكبرى 1/196: ''أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وجنب ضدها كان بدعة حسنة، وإلا فلا، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فيستفاد منه الشكر لله على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نعمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة السجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من التلاوة والإطعام وإنشاد شيء من المدائح النبوية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى'' انتهى كلام ابن حجر.
- وقال الشيخ حسنين محمد مخلوف شيخ الأزهر رحمه الله تعالى: ''إن إحياء ليلة المولد الشريف، وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله تعالى وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات، ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة'' فتاوى شرعية 1/.131
* وقال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى: ''إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت، فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الشريف، ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها، فكم من بدعة مستحبة بل قد تكون واجبة'': شرح المواهب اللدنية للزرقاني.
منقول
المصدر :http://www.elkhabar.com/dossiersp/?ida=145835&idc=48&date_insert=20090301