لقطة لأحد النتوءات داخل ملعب المطران
على مدى التاريخ كانت و لا تزال مدينة القدس مطمعاً لكلِ الجيوش و قبلةً يستقبلها الحجيج و طالبوا الراحة و السلام . إنها أحد أقدم المدن في العالم و شهدت موت و ميلاد الكثير من الحضارات . لتعاني المدينة ويلات و آهات لم تنتهي على مدى القرون الغابرة و يعاني أهل مدينة السلام في كل مجالات حياتهم حتى في جزيرة السلام فلهم فيها رواياتٍ و أشعار .
عرفت الرياضة المقدسية طريقها مبكراً و كان لها الشرف بتأسيس أول نادي فلسطيني في العام 1908 كان يدعى نادي الروضة و هو منبثق عن كلية روضة المعارف الوطنية و التي كانت تعنى بالتعليم العالي آنذاك , و في العام 1924 تم تأسيس ثاني الأندية المقدسية و هو النادي العربي الأرثوذكسي الذي حل وصيفاً لأول دوري يقام تحت إشراف الإتحاد العربي الفلسطيني الرياضي عام 1944 , و كان من الأندية المقدسية المشاركة بهذا الدوري النادي الأهلي , الدجاني , العربي الأرثوذكسي و جمعية الشبان المسيحية . و هكذا كانت الكرة المقدسية أحد رواد الرياضة الفلسطينية بل العربية في وقت مبكر من القرن الماضي فكانت حامية للمشروع الفلسطيني بالدرجة الأولى و داعماً للرياضة بالدرجة الثانية .
لتسير الحياة بحلوها و مرها و تتوقف الحركة الرياضية تارات عدة لينتهي المطاف إلى عهد جديد من المراحل السياسية التي شهدتها مدينة القدس , لتقسم إلى القدس الشرقية و القدس الغربية و يتسلل جدار الفصل العنصري القدس الشرقية التي يقطنها السكان العرب و البالغ عددهم 210 ألف نسمة ليمارسوا حياتهم رغم تنغيص الإحتلال اليومي عليهم , و تزيد عدد الأندية المقدسية بل و يكون لها كلمة قوية من خلال الدرجات المختلفة في كرة القدم , إذ يبلغ عدد الأندية المقدسية 31 نادي منها 23 نادي داخل الجدار و البقية خارج جدار الفصل العنصري , و الأندية التي تلعب في الدرجة الممتازة لكرة القدم و البالغ عددها 6 أندية هي : نادي سلوان , هلال القدس , جبل المكبر , العربي بيت صفافا , شباب أبو ديس و صور باهر , أما الأندية التي تلعب في الدرجة الأولى و عددها 4 أندية هي : أنصار القدس , أبناء القدس , شباب الثوري و جبل الزيتون , أما عن أندية الدرجة الثانية و عددها 3 أندية هي نادي الموظفين و نادي أم طوبا و شباب الرام , و بقية الأندية هي من فرق المناطق كما يطلق عليها , و منها قلنديا , بيت عنان , بدر , السواحرة الشرقية , جمعية الضاحية , العيزرية , بيت حنينا , العيسوية و إسلامي سلون .
جدار الفصل العنصري واقع و تحدي :
إن أحد أبرز المعيقات التي تعاني مدينة القدس بشكل عام و الكرة المقدسية بشكل خاص هي جدار الفصل العنصري و الذي يبتلع 58% من أراضي الضفة الغربية معظمها من مدينة القدس حيث انعزل بموجب هذا الجدار 8 أندية عن المدينة هي شباب أبو ديس و شباب الرم و قلنديا و بيت عنان و العيزرية و السواحرة الشرقية و جمعية الضاحية , ليصبح جدار الفصل العنصري عازلاً لمدينة القدس عن باقي مدن الضفة الغربية , فأصبحت فرق الضفة الغربية عاجزة عن الدخول إلى مدينة القدس بل أن أندية القدس نفسها و التي تقع خارج الجدار لا يمكنها الدخول للمدينة . بيد أن الأندية لم تستلم لهذا للأمر الواقع و جسدت روحاً أخوية أصيلة إذ كانت الأندية المقدسية الواقعة داخل الجدار هي من تخرج لملاقاة الأندية التي تقع خارج الجدار و مناطق الضفة الغربية لتعزز أواصر الربط بينها . يقول رأفت ربيع مهاجم نادي شباب أبو ديس " أنا أقطن بلدة أبو ديس التي تقع خارج الجدار و هي أحد ضواحي مدينة القدس لكني لم أستطع من دخول القدس منذ 6 سنوات "
المشاركة مع المنتخب الوطني :
حرم اللاعب المقدسي منذ عودة الإتحاد الفلسطيني عام 1998 إلى الأسرة الدولية من المشاركة مع المنتخب الفلسطيني إذ أن اللاعب المقدسي يحمل الهوية الزرقات " الاسرائيلية " مما يمنعه من إصدار جواز سفر فلسطيني و بالتالي المشاركة مع المنتخب الفلسطيني في حين أن الأندية المقدسية تلعب في الدوري الفلسطيني و بهذا يحرم اللاعب المقدسي من أحد أهم الأهداف التي تحثه على المثابرة و بذل المزيد من الجهد و النشاط , في حين أن الإتحاد الفلسطيني قد عرض القضية عدة مرات على الإتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا إلا أن الأخير لم يستجيب لمطالب الإتحاد الفلسطيني . و يقول رأفت ربيع " أهم التحديات التي تواجه اللاعب المقدسي هي عدم مشاركته مع المنتخب في حين أن الحافز الوحيد لي كلاعب فلسطيني هو تمثيل بلادي و المشاركة بمنتخبها الوطني " .
الملاعب المقدسية :
" استاد القدس الدولي " هو الحلم الذي لازال يراود أبناء مدينة القدس انهم يحلمون باستاداً وطنياً كما يحلمون أيضاً بتحرير المدينة و استضافة المنتخبات العربية و العالمية على أرضية استادهم الوطني , إنها أحلام سعيدة بلا شك كما أنهم يؤكدون أن ذلك سيحدث و لا بُد للحلم من أن يغدو واقعاً جميلاً .
تحتوي مدينة القدس حالياً على 10 ملاعب بإمكان الأندية المقدسية ممارسة نشاطها عليها منها 5 ملاعب تقع خارج جدار الفصل العنصري و هي ستاد الضاحية و العيزرية و بيت عنان و بدو و ملعب أبو ديس و الأخير ابتلع جدار الفصل العنصري حوالي 1000 متر مربع من مساحته ما اضطر النادي إلى عمل إزاحة للملعب بأكمله و الطريف بالأمر أن الكرة عندما تسقط خلف الجدار يقوم اللاعبون بالمناداة على القرية المجاورة للجدار من الجهة الغربية ليقوموا بقذف الكرة و إعادتها للملعب من جديد .
أما عن باقي الملاعب و التي تقع داخل الجدار فهي ملعب العربي بيت صفافا و صور باهر و جبل الزيتون و العيسوية و المطران و الأخير يعد ملعباً تاريخياً للمدينة و هو غير معشب و قد يضطر أي لاعب يسقط على أرضيته للذهاب إلى أقرب مشفى نظراً للأرضية الصخرية .
و من بين هذه الملاعب العشرة هنالك 3 ملاعب معشبة فقط هي استاد الضاحية و العيزرية و تقع خارج الجدار و ملعب العيسوية و يقع داخل الجدار علماً بأن استاد الضاحية يتمتع بمواصفات دولية .
و يضيف رأفت في حواره " نمارس تدريباتنا على عشب الحدائق العامة لأن ملاعبنا غير مؤهلة لذلك " و تمنى رأفت أن يكون للقدس استاداً كبير و أن يتمتع اللاعب المقدسي باهتمام أكبر "
قصة العربي بيت صفافا :
قسم الاحتلال الصهيوني قرية بيت صفافا إلى نصفين أحدهما يتبع القدس الغربية و الآخر يتبع القدس الشرقية و لم يكتفي الاحتلال بالسيطرة على الجزء الغربي من القرية بل تجاوز ذلك محاولاً السيطرة على الجزء الشرقي أيضاً , فقد عرضت بلدية القدس التابعة للاحتلال الإسرائيلي على نادي العربي بيت صفافا ترميم الملعب بالكامل مع مرافقه بالإضافة إلى العديد من الإصلاحات الأخرى كل ذلك مقابل أن يتدرب فريق مستوطنة جيلو يومان أسبوعياً على ملعب بيت صفافا , فرفض أبناء بيت صفافا هذا العرض و علل أبناء بيت صفافا الرفض حينها بأنهم لا ينسون جذورهم و لا شهداءهم الذين سقطوا على أراضي القرية , و قالوا أيضاً " إن كان الاحتلال جنس هوياتنا فلن يستطيع تجنيس قلوبنا " .
لم تقف معاناة أبناء العربي بيت صفافا أحد أندية الدرجة الممتازة عند هذا الحد بل خرجت مجموعة من إداريي الفريق العربي بفكرة تحويل النادي للعب في الدوري العبري بدلاً من الدوري الفلسطيني كون القرية تقع في الشق المحتل أيضاً أي ما يعرف بالأراضي المحتلة عام 1948 و بالتالي تحويل اسمه من العربي بيت صفافا إلى هبوعيل بيت صفافا الأمر الذي جعل الأبناء المخلصين من بيت صفافا يهبوا مرة أخرى لنصرة ناديهم العربي فقاموا بحملة مع أبناء قريتهم للذود عن النادي و منع هذه الفئة من محو التاريخ العربي و قد ساعدهم فيها العديد من الإعلاميين و المواقع الإلكترونية عبر فضح ممارسات هذه الفئة . و على الرغم من الضائقة المالية الخانقة و التي يعاني منها نادي العربي بيت صفافا مثله مثل أي نادٍ فلسطيني إلا أنه لم يتخلى يوماً عن كينونته و عروبته . مما حدى بهذه الفئة بتأسيس نادي جديد تحت اسم هيبوعيل بيت صفافا يلعب في الدوري الصهيوني , و حافظ أبناء العربي مرة جديدة على عروبتهم و حبهم للوطن .
اللاعب المقدسي :
مثله مثل أي لاعب فلسطيني كرة القدم بالنسبة له هواية لا يتلقى على إثرها أية محفزات مالية تذكر سوى بعض المكافآت التي لا تكفي لمصروف الجيب بل أنه كثيراً ما يستخدم نفقته الخاصة لشراء المستلزمات الرياضية و يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي بلا صحافة و لا حتى معجبين كثر رأفت علق على هذه القضية قائلاً " اللاعب المقدسي لا يفرق بأي شئ عن لاعبي الضفة الغربية و قطاع غزة لأنهم جميعاً يعتبرون لاعبين هواة إلا أن لاعب القدس قد يقابل بالاستفزاز كونه يحمل هوية زرقاء " و يضيف " لو قدر للاعب القدس المشاركة مع المنتخب الفلسطيني لكان أفضل من العديد من الأسماء و سيكون إضافة للمنتخب " و هنا يشير رأفت إلى وجود 6 أندية مقدسية ضمن الدرجة الممتازة لأندية كرة القدم و يعتبره أبلغ دليل على تفوق الكرة المقدسية " .
حسام أبو سنينة يتحدث عن الكرة المقدسية :
في ذات السياق تحدث السيد حسام أبو سنينة أمين سر اللجنة المساندة لإتحاد كرة القدم في القدس عن الكرة المقدسية و أهم التحديات التي تواجهها فقال " من الملاحظ تراجع بعض الأندية وغيابها عن النشاط الرياضي وذلك يعود لغياب الأشخاص المؤهلين لمتابعة اللاعبين وتجيهزهم لممارسة هذا النشاط كما أن الأندية الممارسة للعبة كرة القدم يعانون من ضيق مالي مما يؤثر سلباً على هذه الأندية و البطولات التي نسعى لتنظيمها فلو أن مشكلة الوضع المالي الذي يشكل الهم الأكبر لهم تحل لكان النشاط الرياضي أكبر و أوسع و خاصة للفئات العمرية حيث أن البطولات تقتصر على يوم أو يومين بسبب العائق المادي و على الرغم من ذلك فهنالك ما يدعو إلى السرور و هو وجود نشاط جيد في بعض الأندية و اهتمام كبير باللاعبين و أصبح الجو بين المدربين منافسة رياضية شريفة ساعدت كثيراً على خلق الأجواء الرياضية الجيدة ولا ننسى اهتمام الإدارين الذين يصرفون المبالغ المالية الكبيرة على هذه الأندية و اللاعبين وقد يصل بهم في بعض الأحيان إلى دفع مبالغ مالية من جيوبهم الخاصة .
و لم يعف السيد حسام الإتحاد الفلسطيني من المسؤولية فتابع حديثه " أريد أن أقف على بعض الأمور السلبية التي يتحمل الإتحاد مسؤليتها وهي تغيبه بشكل مباشر للاعبين المقدسين عن المنتخبات الوطنية مما جعل هذا السبب يؤثر بالسلب على طموحات الكثير من اللاعبين و خاصة أننا نملك بالقدس العديد من المواهب التي تستحق بعض الاهتمام و اعطاهم الفرصة لخوض الاختبارات ليس أكثر , و حينها هم من يثبتون أنفسهم في الملعب .
و حلاً لتلك المشكلات يرى السيد حسام أبو سنينة في تكثيف النشاط الرياضي و تشكيل منتخبات للمحافظة من مختلف الفئات العمرية و إقامة البطولات لمختلف الفئات حلولاً قد تكون مجدية للخروج من حالة الجمود الرياضي العام الذي تعاني منه الكرة الفلسطينية بشكل عام .
و خلاصةً للحديث و كغيرها من المحافظات الفلسطينية نادٍ هاوٍ و كرة قديمة مرقعة و على ملعب ترابي صخري تمارس بهم لعبة تدعى كرة القدم , لا أدنى مقومات و بمزيد من إعاقات الإحتلال الصهيوني و رغماً عن ذلك تبقى الرياضة المقدسية قلعةً فلسطينيةً صامدة في وجه العواصف العاتية .