القوة المسؤولة عن تماسك المادةعلى الرغم من أن هذه القوة هي
القوة الوحيدة التي نستطيع إدراكها عادة، فإنها هي أيضا
القوة التي نعرف عنها أقل قدر من المعلومات وعادة ما نطلق على هذه القوة
اسم الجاذبية، في حين أنها تسمى في الواقع ''قوة جذب الكتل''''mass attraction force'' ..
وعلى الرغم من أن هذه القوة هي
أقل القوى شدة مقارنة بالقوى الأخرى، فإن الكتل الكبيرة
جدا تنجذب بواسطتها نحو بعضها البعض وهذه القوة هي السبب في بقاء المجرات
والنجوم الموجودة بالكون في مدارات بعضها البعض ومرة أخرى، تظل الأرض
والكواكب الأخرى تدور في مدار معين حول الشمس بمساعدة هذه القوة التجاذبية كما أننا نتمكن من المشي على الأرض بسبب هذه
القوة ولو حدث انخفاض في قيمة هذه القوة، لسقطت النجوم، لانتزعت الأرض من مدارها، ولتشتتنا نحن عن الأرض في الفضاء قال الله
تعالى في القرآن
الكريم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] اللَّهَ يُمْسِكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا)[سورة فاطر:41].
.
وفي حال حدوث أدنى زيادة في
قيمة هذه القوة تتصادم النجوم ببعضها البعض، وتصطدم الأرض
بالشمس، وننجذب نحن نحو القشرة الأرضية· وقد يبدو لك أن احتمالات حدوث
تلك الأشياء بعيدة جداً الآن، ولكنها ستكون حتمية لو انحرفت هذه القوة عن
قيمتها الحالية ولو حتى لفترة قصيرة جدا من الوقت ويعترف كل العلماء الذين
يجرون بحوثاً حول هذا الموضوع أن القيم المحددة بدقة لهذه القوى الأساسية تعتبر من
العوامل الحاسمة في وجود الكون
وعندما تناول هذه النقطة عالم
البيولوجيا الجزيئية الشهير مايكل دنتون Michael Denton،
أشار في كتابه ''قدر الطبيعة: كيف تكشف قوانين البيولوجيا الغاية من
الكون ''How the Laws of Biology Reveal Purpose in
the Universe Nature's Destiny '' إلى أنه: ''لو كانت، على سبيل المثال، القوة
التجاذبية أقوى تريليون مرة، لكان
الكون أصغر بكثير، ولكان تاريخ
حياته أقصر بكثير ولكانت كتلة أي نجم عادي أقل تريليون
مرة من الشمس ولبلغت دورة حياته نحو سنة واحدة ومن ناحية أخرى، لو كانت الجاذبية أقل قوة، لم تكن أية نجوم أو مجرات
لتتكون على الإطلاق
وليست العلاقات والقيم الأخرى
أقل خطراً فلو كانت القوة
الشديدة أضعف قليلاً، لكان
الهيدروجين هو العنصر الوحيد المستقر ولما تمكنت أية ذرات أخرى
من الوجود ولو كانت القوة الشديدة أقوى قليلاً مقارنة بالقوة
الكهرومغناطيسية، لأصبحت النواة الذرية المكونة من بروتونين فقط سمة ثابتة في الكون - ويعني ذلك انعدام وجود الهيدروجين -
وإذا نشأت أية نجوم
أو مجرات، ستكون مختلفة جداً عن
شكلها الحالي ومن الواضح أنه لو لم تكن لهذه القوى والثوابت المختلفة قيمها
الحالية بالضبط، لما كانت هناك أية
نجوم، أو نجوم متفجرة فائقة
الوهج supernova، أو كواكب، أو ذرات، أو حياة " (1) وقد عبر الفيزيائي المعروف بول ديفيز Paul Davies عن إعجابه بالقيم المقدرة سلفاً
لقوانين الفيزياء في الكون : " عندما يلجأ المرء لدراسة علم الكونيات، يزداد لديه الميل إلى الشك· ولكن الاكتشافات الأخيرة فيما يتعلق بالكون البدائي تضطرنا إلى القبول
بأن الكون المتمدد قد
بدأ في حركته بتعاون يتسم بدقة
مثيرة للدهشة ''(2) ويسود الكون كله تصميم فائق وتنظيم
متقن يقومان على أساس توفر هذه القوى الأساسية ومالك هذا النظام هو، دون
شك، الله سبحانه وتعالى، الذي خلق كل شيء من العدم دون أية عيوب وإذا
تأملنا قليلاً سنجد أن الله، رب العالمين، يبقي النجوم في مداراتها بأضعف القوى، ويبقي على توازن نواة الذرة
الدقيقة بأشد القوى
وتعمل كل القوى وفقاً
''للحدود'' التي قدرها الله وقد أشار الله إلى النظام الموجود في خلق
الكون والتوازنات ''المقدرة بمنتهى الدقة'' في إحدى آياته: (الَّذِي لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ
شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان: ·2). .