[size=16]طوفان نوح عليه السلام
بقلم فراس نور الحق
مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
لقد تحدث القرآن الكريم عن الأمم السابقة البائدة وكيف كانت مواقفهم تجاه
رسل الله تعالى ومن القصص التي وردت في القرآن الكريم قصة نوح عليه السلام
والطوفان قال تعالى :
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ {105} إِذْ قَالَ لَهُمْ
أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ {106}إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
{107} فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {109}
فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ {110} قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ
وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ {111}قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ {112} إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ
{113} وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ {114} إِنْ أَنَا إِلَّا
نَذِيرٌ مُّبِين {115} قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ
لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ {116} قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي
كَذَّبُونِ {117} فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي
وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {118} فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ{119} ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ {120}
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَان أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {121}
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }.[الشعراء : 105،121].
قال تعالى في سورة نوح : (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ
أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {1} قَالَ
يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {2}.
الإعجاز الغيبي:
لعل هذه القصة من أعظم صور الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم والتي صدقتها المكتشفات الأثرية الحديث :
قصة الطوفان عند الحضارات القديمة :
من المعروف منذ زمن طويل أن قصص الطوفان تنتشر انتشاراً واسعاً في جميع
أنحاء العالم، فهناك قصص عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم،
وفي الهند وبورما والصين والملايو واستراليا وجزر المحيط الهادي، وفي جميع
مجتمعات الهنود الحمر .
و لعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية، وقصة الطوفان البابلية، وقصة
الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة وعلى الرغم من التحريف الذي يشوب بعض
تلك القصص إلا أنها متفقة على أنه قد حدث طوفان عظيم وأنه كان هناك رجل
صالح قام ببناء سفينة وحمل فيها من كل الحيوان زوجين إضافة إلى أهله ومن
تبعه من الناس المؤمنين بالله وسوف نعرض لأهم هذه القصص :
أولاً: قصة الطوفان السومرية :كان الناس يعتقدون حتى أواخر القرن الماضي
أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان , ولكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن
ذلك مجرد وهم، حيث عثر في عام 1853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية،
وفي الفترة ما بين 1889م ،1900 م، اكتشفت أول بعثة أثرية أمريكية قامت
بالتنقيب في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان
في مدينة "نيبور " ( نفر ) ثم تبعه آخرون، ويبدوا من طابع الكتابة التي
كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي
الشهير " حمورابي " وعلى أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك .
ملخص القصة حسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك يسمى ( زيوسودا )كان يوصف
بالتقوى ويخاف من الله، ويكب على خدمته في تواضع وخشوع أُخبر بالقرار الذي
أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي صاحبه العواصف والأمطار التي استمرت
سبعة أيام وسبع ليال يكتسح هذا الفيضان الأرض، حيث يوصف ( زيوسودا) بأنه
الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة ...
ثانياً : قصة الطوفان البابلية :
1 . ملحمة جلجامش :في الثالث من ديسمبر 1872 م أعلن " سيدني سمث " نجاحه
في جمع القطع المتناثرة من ملحمة جلجامش بعضها إلى بعض، مكتوبة في أثنى
عشر نشيداً، أو بالأحرى لوحاً، ومحتوية على قصة الطوفان في لوحها الحادي
عشر: وملخص القصة أنه كان هناك رجل يسمى جلجامش أمرته الآلهة بأن يبني
سفينة , وأن يدع الأملاك وأنه احتمل على ظهر الفلك بذور كل شيء حي، والفلك
التي بنها سيكون عرضها مثل طولها وأنه نزل مطر مدرار .. الخ ثم استوت
السفينة على جبل نيصير ( نيزير ) [ وهو جيل بين الدجلة والزاب الأسفل] .
2 ـ قصة بيروسوس:
في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى أيام الملك " أنتيوخوس
الأول" ( 280 ،260 ق.م )، كان هناك أحد كهنة الإله " ردوك " البابلي،
ويدعى بيروسوس قد كتب تاريخ بلاده باللغة اليونانية في ثلاثة أجزاء وحوا
الكتاب على قصة الطوفان وتقول أنه كان يعيش ملك اسمه " أكسيسو ثووس " هذا
الملك يرى فيما يرى النائم أن الإله يحذره من طوفان يغمر الأرض ويهلك
الحرث والنسل فيأمره بأن يبني سفينة يأوي إليها عند الطوفان .
فيبني هذا الملك سفينة طولها مائة وألف يارده وعرضه أربعمائة وأربعون
ياردة، ويجمع فيه كل أقربائه وأصحابه، ويختزن فيه زاداً من اللحم والشراب
فضلاً عن الكائنات الحية من الطيور وذات الأربع .
و يغرق الطوفان الأرض.. وتستقر السفينة على جبل حيث ينزل وزوجته وابنته وقائد الدفة، ويسجد الملك لربه ويقدم القرابين الخ....
وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي :
(رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض
وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه
الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله،
وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلماً،
ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن
يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى
لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى،
فضلاً عن امرأته وبنهيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك
وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك
لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط
على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى
السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات
السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
و تكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب
على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في
الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أرارات.
إن هذه النصوص برغم ما حوت من تحريف إلا أنها بمجموعها تؤكد حدوث قصة
الطوفان وهي في شكلها العام تتطابق من القرآن الكريم فمن أخبر محمداً بتلك
بتفاصيل تلك القصة التي كانت أحداثها قبل ولادته بآلاف السنين .
الأدلة الأثرية في العراق تدل على ثبوت قصة الطوفان :
يرى بعض علماء التاريخ وبعض المفسرين أن الطوفان الذي أصاب قوم نوح لم
يشمل كامل الكرة الأرض بل شمل منطقة معينة هي وادي الرافدين ولقد أجرت عدة
بعثات أثرية ببعض التنقيبات في سهول بلاد الرافدين للبحث عن الآثار التي
تذخر بها تلك المنطقة التي شهدت عدة حضارات ولقد كشفت تلك التنقيبات إلى
أن هذه المنطقة شهدت طوفاناً عظيماً قضى على الحضارة السومرية التي كان
أهلها يقطنون في سهول الرافدين
فقد ظهرت آثار الطوفان جلية في أربعة مدن رئيسية في بلاد الرافدين : أور ـ أريش ـ شورباك ـ كيش
ولقد كشفت التنقيبات الأثرية إلى أن هذه المدن قد ضربها الطوفان في حوالي 3000 قبل الميلاد
التنقيبات في أور:
إن أقدم ما تبقى من هذه الحضارة هو مدينة أور المعروفة اليوم (بتل المكيار
) والتي يعود تاريخها إلى عام 7000 قبل الميلاد إن مدينة أور فقد كان
سكنها حضارات متعاقبة سادت ثم بادت ومن خلال المكتشفات الأثرية لمدينة أور
تبين بأن تلك الحضارة ضربها طوفان رهيب وأن حضارات نشأت مكانها تدريجياً .
لقد قاد عالم الآثار (سير ليونارد وولي) حملة تنقيب من قبل المتحف
البريطاني وجامعة (بنسلفانيا )عام عام 1928م في المنطقة الصحراوية بين
بغداد وخليج فارس ولقد وصف (ورينر كيلر) عالم الآثار الألماني تنقيبات
(سير ليونارد وولي) كالتالي:
" عندما قدمت حملة علماء الآثار إلى تل المكيار التي ارتفاعها 50 قدم جنوب
المعبد وبعد التنقيب وجدوا صف طويل من القبور فوق بعضها وقناطر حجرية
رائعة وخزائن الكنوز التي كانت ممتلئة بـ أقداح ثمينة، وجرار رائعة
ومزهريات وطاولات وبرونزيات وفسيفساء وفضة تحيط بهذه الأشياء التي يغطيها
الغبار وبعد عدة أيام الحفر والتنقيب نادى أحد العمال الذين مع (وولي )
وقال : نحن على مستوى الأرض ووضع نفسه في النفق ليقنع نفسه . ظن (وولي) إن
هذا كل شيء، إنه رمل نقي (غريد) وهو نوع من الرمل ينحل بالماء فقط.
لقد قرروا أن يواصلوا الحفر ويجعلوا الحفر أعمق، أعمق وأعمق ذهبت الحملة
إلى داخل الأرض ثلاثة أقدام، ستة أقدام لا يزال طين عشرة أقدام ....
فجأة وعلى عمق عشرة أقدام توصلوا إلى دليل واضح على مساكن بشرية.
وينقل (ماكس مالوان ) عن سير ليونارد وولي " الطوفان هو الدليل الوحيد
الممكن لهذا الطمي الهائل الذي توضع تحت التلة في مدينة أور، الذي فصل بين
حضارتين بين مدينة أور السومرية ومدينة العبيد الأشورية " (1)
ولقد دلت التحليلات المجهرية لهذا الطمي أو الغريد الهائل الذي توضع تحت التلة في أور تكدس هنا نتيجة الطوفان.
مدينة كيش:
وكذلك الأمر تم الكشف عن آثار للطوفان في مدينة أخرى من مدن بلاد الرافدين
وهي كيش السومرية المعروفة اليوم بـ تل الأحيمر ويصف تاريخ السومريون
القدماء هذه المدينة بـ ( الموقع الأول للأسرة الحاكمة ) (2)
مدينة شورباك:
المدينة الجنوبية في بلاد الرافدين (شوربا ) المعروفة اليوم بـ تل الفرح ،
تحمل أيضاً دليلاً واضحاً على الطوفان من خلال الأبحاث الأثرية التي قام
بها (أريش سكمرت ) من جامعة بنسلفاينا في هذه المدينة من عام 1920ـ1930
كشفت هذه التنقيبات الأثرية النقاب عن ثلاثة طبقات من المساكن التي امتدت
في عصر ما قبل التاريخ إلى الأسرة الحاكمة الثالثة كمدينة أور (2112ـ
2004) قبل الميلاد . وكانت الاكتشافات المميزة بيوتاً مبنية بشكل رائع
مترافقة مع كتابة مسمارية وقوائم من الكلمات تدل على التطور الراقي الذي
كان موجوداً
في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد (3)
وكذلك كانت هناك آثار للطوفان في مدينة أريش الأثرية.
اكتشاف شواهد الحياة قبل الطوفان:
واشنطن-ناسا: عثر مستكشفون أميركيون على عمق مئات الأمتار تحت سطح البحر
الأسود على بقايا منطقة سكانية في بقعة وقعت فيها سيول مدمرة قبل 7500 عام
تعادل في أهميتها اكتشاف أطلال بومبي المدينة الرومانية القديمة التي
دمرها بركان فيزوف قبل عدة قرون.
وذكرت رويترز في تحقيق لها بهذا الشأن أن روبرتبا لارد أحد المستكشفين
أوضح أن فريقه من جمعية ناشيونال جيوغرافيك عثر على هيكل مستطيل قد يكون
لبناء على عمق نحو 310 أمتار تحت سطح البحر مما يشير إلى أن أناساً كانوا
يعيشون هناك قبل إغراق طوفان هائل للمنطقة الأمر الذي يعتبر شواهد على
مستوطنات بشرية. وقال بالارد في حديث هاتفي من سفينة الأبحاث نورذرنهور
ايزون على مسافة 20 كيلومتراً قبالة الساحل التركي أن الاكتشاف هائل ويرجع
المعمار والقطع الفنية فيه إلى العصر البرونزي الحديث الذي كانت بدايته
قبل نحو 7000 عام كما أنه يضم كمية كبيرة من الأطلال تحت سطح الماء مما
يشير إلى أن عدداً كبيراً من الناس كانوا يعيشون فيها واعتبر هذا الاكتشاف
يفوق في أهميته اكتشاف حطام التايتانيك في عام 1985.
وأضاف أن فريقه توصل إلى هذا الاكتشاف قبل ثلاثة أيام في الأسبوع
الثاني من بعثة تستغرق خمسة أسابيع ويأمل أعضاء الفريق في التوصل إلى
اكتشافات أخرى وسيقومون بعمليات تجفيف وتصوير وثائقي دقيق قبل إحضار أي
شيء إلى السطح. وتم التعرف على القطع المكتشفة بمجسات ضوئية "سونار" وتم
تصويرها بواسطة عربة متنقلة اسمها ازجوس في حجم الغسالة الكهربائية متصلة
بباخرة الأبحاث بكابلات من الألياف الزجاجية وتبلغ مساحة الهيكل المستطيل
الذي تم اكتشافه أربعة أمتار عرضاً و 15 متراً طولً3_ قصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة اً.[/size]