ضوابط معرفة الحق ــ أفد واستفــــــــــــــــــــــد ــ
إنّ الحق هو ضالة كل مؤمن صادق وغاية كل منصف وهدف كل باحث متجرد بعيد عن الهوى يريد لنفسه السعادة في الدنيا والآخرة .
وكفى بالحق شرفا أنّه إسم من أسماء الله تعالى وقد جاء في القرآن أنّ كل ما سوى الحق إنّما هو الباطل قال تعالى :< فماذا بعد الحق إلاّ الضلال >
إذا كان كذلك فالحق هو الذي يجب أن يسعى كل واحد منّا لمعرفته والتمسك به قبل أن يكتحل بنوم أو يهنأ بطعام أو شراب .
وحتى يصل كل واحد منّا إلى هذه الغاية المنشودة ـ وهي معرفة الحق ـ لابد له من قواعد و ضوابط يستعين بها على الوصول لهدفه .
ولما غابت عن كثير من الناس اليوم هذه الضوابط وهذه القواعد وقعوا في الخلط والخبط
لأجل هذا أردت في هذه العجالة ـ التي أرجوا أن تكون قصيرة ـ أن أبيّن بعضا من هذه الضوابط التي أسأل الله عزّوجل أن تُعيننا جميعا على معرفة الحق وأهله إنّه ولي ذلك والقادر عليه
الضابط الأول :أنّ الحق لا يتعلق بالكثرة
فكثير من الناس اليوم يقيسون الحق بكثرة أتباعه وحامليه فيقول أحدهم أنا أتبع القول الفلاني لأنّ معه أكثر الناس أو قال به كثير من العلماء دون أن يكون نظره إلى الدليل الذي إستدلّ به القوم وإنّما نظره في الكثرة الكاثرة التي هي في الحقيقة ليست معيارا صالحا لمعرفة الحق وعلى هذا نجد أنّ الله تعالى في كثير من الآيات يذمّ الأكثرية ويعيب أكثر الناس بينما يمدح الأقلية ودليل ذلك الآيات التالية :
قوله تعالى : ( وإن تطع أكثــــر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظنّ و إن هم إلاّ يخرصون )
قوله تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )
قوله تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون )
قوله تعالى : ( وقليل من عباديَ الشّكور )
قوله تعالى : ( بل أكثرهم لا يعلمون )
قوله تعالى : ( بل أكثرهم لا يعقلون )
وغيرها من الآيات الكثيرة التي إذا تأمّلناها نجد أنّ الذم للأكثرية ولذلك ترى كثيرا من أئمة السلف يحذرون الناس من الإغترار بالكثرة والإعتماد عليها يقول الفضيل بن عياض رحمه الله : إتبع طرق الهدى ولا يضرك قلّة السالكين وإيّاك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين
الإعتصام للشاطبي ج 1 ص 112
فلمّا علمنا الآن أنّ الله قد ذمّ الكثرة فتعالوا إخواني لنرى ماذا يقول الله تعالى عن القلّة في كتابه العزيز قال الله تعالى : (وما ءامن معه إلاّ قليل )
( إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم )
( إلاّ فريقا من المؤمنين )
ولذلك يقول النبي صلّى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال Sad بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) وفي رواية Sad قيل من الغرباء يا رسول الله قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس ) وفي لفظ آخر : ( هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم )
قد بان لك الآن أخي المسلم كيف أنّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذ مّا الأكثرية فإيّاك أن تجعلها نصب عينيك وتظنّها دليلا على الحق بل الحق يُعرف بالدليل
الضابط الثاني : أنّ الحق لا يتعلّق بحسن النية
كثير من الناس اليوم إذا بيّنت له خطأ بعض الناس أو حذ ّرته من مسلك معيّن يقول فلان نيته حسنة والاعمال بالنيات وما شابه ذلك
لكن النية لا تجعل الباطل حقا ولا تجعل الفاسد صحيحا ولا الضلال هدى ولذلك يقول الله تعالى : ( أفمن زُيّن له سوء عمله فرءاه حسنا ) وقوله تعالى : ( قل هل نُنَبِئُكم بالأخسرين أعمالا الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صُـنعا )
وفي الحديث الذي رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني رحمه الله عن أبي واقد الليثي قال : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط
فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر إنّها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( إجعل لنا إله كما لهم آلهة قال إنّكم قومٌ تجهلون ) لتتبعنّ سنن من كان قبلكم )
قال العلامة عبد الرحمان بن حسن آل الشيخ تعليقا على هذا الحديث : ((فيه الخوف من الشرك وأنّ الإنسان قد يستحسن شيئا يظنّ أنّه يقربه إلى الله وهو أبعد ما يبعده عن رحمته ويقربه من سخطه ))
إذا تبيّن لك هذا فإيّاك أخي المسلم أن تعتمد على حسن نيّتك في تقويم أعمالك أو في معرفة الحق بل لابد أن تضيف إلى حُسن نيّتك معرفة الدليل الشرعي الذي يدلّ على صحّة هذا العمل أو المعتقد أو غير ذلك .
لأنّك قد تستحسن شيئا تظنّه يُقَـرِّبُك من الله ويزيدك في الأجر ولكنّه في الحقيقة لا يزيدك من الله إلاّ بعدا وتستوجب به سخط الله .
الضابط الثالث : أنّ الحقّ لا يعرف بالرجال
كثير من الناس اليوم يتبعون بعض الأقوال لبعض أهل العلم دون معرفة بالدليل الذي بنى عليه هذا العالم قوله فإذا أتيته بقول يخالف قول هذا العالم يقولك لقد قال به فلان ورأيت فلانا يفعله فإذا أتيته بالدليل الشرعي يقول لك لا قد قال فلان كذا وكذا .
فاعلم أخي المسلم أنّ الحقّ لا يُـعرف بالرجال بل الرجال هم الذين يعرفون بالحق فكل من وافق قوله الدليل وأقام البيّنة على قوله فهو المحق والعكس صحيح لأنّ الحقّ لا يتعلّقُ بذوات الرجال قلّة كانوا أو كثرة بل الحق يتعلّقُ بالدليل ويدور معه حيث دار .
يقول عبد الله بن عبّاس ردّا على من إحتجُّوا عليه بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما :
(( يوشك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر ))
فهذا قول عبد الله بن عباس فيمن ردّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقول أبي بكر وعمر فكيف في زماننا هذا من يردّ الحديث الصحيح ويتبع هواه وربّما يتبع فلان أو فلان الذي مهما علا قدره واتّسع علمه فهو دون أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ...فالله المستعان .
ـ يقول الإمام أحمد رحمه الله : (( عجِبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحّته ويذهبون إلى رأي سفيان ))
ـ ويقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله وهو يشير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كل أحد يؤخذ ُ من كلامه ويردّ ُ إلاّ صاحب هذا القبر ))
ـ وأخبر أبو حنيفة أنّ الحقّ لا يتعلّقُ به فقال : (( حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي فإنّنا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا ))
ـ وقال الشافعي رحمه الله : (( إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ))
فانظر أخي إلى أقوال السلف الصالح كيف علّقوا الحقّ بالبرهان والدليل ولم ينظروا إلى قائله مهما كان وإنّما ينظرون إلى الدليل الذي قام عليه والحجة الدالة عليه
إنتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
أسأل الله عزوجل أن يتقبل مني هذا العمل وأن يفيد به إخواني أعضاء المنتدى وزُواره الكرام