طرائف
عن المدائني، قال: تغدى أشعب مع زياد بن عبد الله الحارثي، فجاءوا بمضيرة ، فقال أشعب لخباز: ضعها بين يدي، فوضعها بين يديه، فقال زياد: من يصلي بأهل السجن؟ قال: ليس لهم إمام، قال: أدخلوا أشعب يصلي بهم، قال أشعب: أو غير ذلك أصلح الله الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف ألا آكل مضيرة أبداً.
حدثنا الأصمعي، قال: ولى المنصور زياد بن عبد الله الحارثي مكة والمدينة، قال أشعب: فلقيته بالجحفة فسلمت عليه، قال: فحضر الغداء، وأهدي إليه جدي فطبخه مضيرة، وحشيت القبة قال: فأكلت أكلاً أتملح به، وأنا أعرف صاحبي، ثم أتي بالقبة، فشققتها، فصاح الطباخ: إنا لله! شق القبة، قال: فانقطعت، فلما فرغت قال: يا أشعب! هذا رمضان قد حضر، ولا بد أن تصلي بأهل السجن، قلت: والله ما أحفظ من كتاب الله إلا ما أقيم به صلاتي، قال: لا بد منه، قال: قلت: أو لا آكل جدياً مضيرة؟ قال: وما أصنع به وهو في بطنك؟ قال: قلت: الطريق بعيد أريد أن أرجع إلى المدينة، قال: يا غلام، هات ريشة ذنب ديك -قال أشعب: والجحفة أطول بلاد الله ريشة ذنب ديك- قال: فأدخلت في حلقي فتقيأت ما أكلت، ثم قال لي: ما رأيك؟ قال: قلت: لا أقيم ببلدة يصاح فيها: شق القبة، قال: لك وظيفة على السلطان وأكره أن أكسرها عليك، فقل ولا تشطط قال: قلت: نصف درهم كراء حمار يبلغني المدينة، قال: أنصفت وأعطانيه.
جاء أشعب إلى أبي بكر بن يحيى من آل الزبير، فشكا إليه، فأمر له بصاع من تمر، وكانت حال أشعب رثة، فقال له أبو بكر بن يحيى: ويحك يا أشعب! أنت في سنك وشهرتك تجيء في هذه الحال فتضع نفسك فتعطى مثل هذا؟ اذهب فادخل الحمام فاخضب لحيتك، قال أشعب: ففعلت، ثم جئته فألبسني ثياب صوف له وقال: اذهب الآن فاطلب، قال: فذهبت إلى هشام بن الوليد صاحب البغلة من آل أبي ربيعة، وكان رجلاً شريفاً موسراً، فشكا إليه فأمر له بعشرين ديناراً، فقبضها أشعب وخرج إلى المسجد، وطفق كلما جلس في حلقة يقول: أبو بكر بن يحيى، جزاه الله عني خيراً، أعرف الناس بمسألة، فعل بي وفعل، فيقص قصته، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: يا عدو نفسه! فضحتني في الناس، أفكان هذا جزائي!.
أخبرنا أبو الحسن المدائني، قال: وقف أشعب على امرأة تعمل طبق خوص فقال: لتكبريه فقالت: لم؟ أتريد أن تشتريه؟ قال: لا، ولكن عسى أن يشتريه إنسان فيهدي إلي فيه ، فيكون كبيراً خير من أن يكون صغيراً.
وفي المثل: أطمع من أشعب، رأى سلالاً يصنع سلة، فقال له: أوسعها، قال: ما لك وذاك؟ قال: لعل صاحبها يهدي لي فيها شيئاً.
ومر بمكتب وغلام يقرأ على الأستاذ: "إن أبي يدعوك"، فقال: قم بين يدي حفظك الله وحفظ أباك، فقال: إنما كنت أقرأ وردي، فقال: أنكرت أن تفلح أو يفلح أبوك! وقيل: لم يكن أطمع من اشعب إلا كلبه، رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفاً، فألقى نفسه في البئر يطلبه، فمات.
وحدثنا الزبير بن بكار قال: قال الواقدي: لقيت أشعب يوماً فقال لي: يا ابن واقد وجدت ديناراً فكيف اصنع به؟ قلت: تعرفه، قال: سبحان الله، قلت: فما الرأي؟ قال: اشتري به قميصاً وأعرفه، قلت: إذن لا يعرفه أحد، قال: فذاك أريد.
وقال الهيثم بن عيد: أسلمته فاطمة بنت الحسين في البزازين فقيل له: أين بلغت من معرفة البز؟ فقال: أحسن النشر ولا أحسن أطوي وأرجو أن أتعلم الطي. ومر برجل يتخذ طبقاً فقال: اجعله واسعاً لعلهم يهدون إلينا فيه فيكون كبيراً خيراً من أن يكون صغيراً.
وخرج سالم بن عبد الله إلى ناحية من نواحي المدينة متنزهاً ومعه حرم. فبلغ اشعب خبره فوافى الموضع الذي هم فيه فصادف الباب مغلقاً فتسور الحائط فقال له سالم: ويحك بناتي وحرمي، فقال: )لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد(، فوجه إليه بطعام أكل منه وحمل إلى منزله.
وقال سليمان الشاذكوني: كان لي بني في المكتب فانصرف إلي يوماً فقال: يا أبه الا احدثك بطريف؟ فقال: هات، فقال: كنت أقرأ على المعلم أن أبي يدعوك وأشعب الطامع عنده جالس، فلبس نعله وقال: امش بين يدي، فقلت: إنما أقرأ عشري، فقال: عجبت أن تفلح أو يفلح أبوك.
وحكى الحسن بن علي الخلال عن أبي عاصم النبيل قال: سمعت أشعب يقول: ما زفت بالمدينة امرأة قط إلى زوجها إلا كنست بيتي ورفعت ستري طمعاً في أن تهدي إلي.
وقيل لأشعب: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، شاة كانت لي على سطح فنظرت إلى قوس قزح فظنته حبل قت فأهوت إليه واثبة من السطح فاندق عنقها.
وقدم على يزيد بن حاتم مصر فجلس في مجلسه من الناس، فدعا يزيد بعض غلمانه وأسر له بشيء، فقام أشعب فقبل يده، فقال له: ولم فعلت هذا؟ قال: رأيتك أسررت إلى غلامك بشيء فعلمت أنك قد أمرت لي بصلة، فضحك منه وقال: ما فعلت ولكني أفعل، وأمر له بصلة.
وحكى المدائني قال: تغدى أشعب مع زياد بن عبيد الله الحارثي فجاءوه بمضيرة فقال أشعب للخبازك ضعها بين يدي، فوضعها بين وحكى المدائني عن حبهم بن خلف قال: حدثني رجل قال: قلت لأشعب: لو تحدثت عندي العشية، قال: أكره أن يجيء ثقيل، قلت: ليس غيرك وغيري، قال: فإذا صليت الظهر فأنا عندك، فصلى وجاء، فلما وضعت الجاية الطعام إذا صديق لي يدق الباب، قال: ألا ترى؟ قد صرت إلى ما أكره، قلت: إن لك عندي فيه عشر خصال، قال: فما هي؟ قلت: أولها أنه لا يأكل مع ضيف، قال: التسع خصال لك، أدخله.
ووجدت في بعض الكتب عن المدائني قال: توضأ أشعب فغسل رجله اليسرى وترك اليمنى، فقيل له: تركت غسل اليمنى، فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمتي غر محجلون من آثار الوضوء، وأنا أحب أن أكون أغر محجلاً من الثلاث مطلق اليمين.
ومن اطرف نوادر اشعب
في كتاب بستان الادباء، قال: كانت بالمدينة امرأة شديدة الاصابة بالعين لا تنظر إلى شيء إلا دمرته، فدخلت على أشعب تعوده، وهو محتضر يكلم بنته بصوت ضعيف ويقول يا بنت اذا مت فلا تنوحي علي وتندبيني، والناس يسمعونك تقولين، وا ابتاه اندبك للصلوة والصيام، والفقه والقرآن، فيكذبونك، ويلعنوني، والتفت اشعب فرآى المرأة فغطى وجهه بكمه وقال لها يا فلانة نشدتك الله إن كنت استحسنت شيئاً مما انا فيه، فصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سخنت عينك وفي أي شيء أنت حتى استحسنه، أنما أنت في آخر رمق فقال اشعب: قد علمت ذلك، ولكن قلت لا تكونين قد استحسنت خفة الموت علي وسهولة النزع، فيشتد ما أنا فيه فخرجت من عنده، وهي تشتمه، فضحك من كان حوله، حتى أولاده ونساؤه ثم مات.
بانتظار ردودكم