عيون المرافعات - الحلقة الثالثة والأخيرة - ( سليم باسيلا في قضية قتل عمدي )

عيون المرافعات - الحلقة الثالثة والأخيرة - ( سليم باسيلا في قضية قتل عمدي )إلى اللقاء

أحبابي اعضاء منتدنا الحبيب
كما وعدتكم بأن افيدكم بالجديد المتفرد كل مرة
ها انا أصون وعدي لأنقل لكم مرافعة من أجمل ما قرأت من الرافعات الموثقة والنادرة
مرافعة المحامي سليم باسيلا في قضية قتل عمدي منقولة من الكتاب المتفرد "الخطابة القضائية لللدكتور دياب يونس "
المرافعة:
أيها السادة،
لا أراني بحاجة إلى أن اعيد على مسامعكم كلاما قلت فيه إنكم لا تحاكمون متهما بجناية قتل عمدي، بل تحاكمون إنسانا متهما بهذه الجناية ، مشددا على أولية الإنسان في المتهم ، وعلى أهمية النتائج الناجمة عن ذلك.
أيها السادة،
يمكن أن يخلع على الموكل صفة المتهم ، او صفة المحكوم ، او صفة المسؤول ، اما ما لا يمكن أن يخلع عنه فإنسانية لها في شرائع الأرض كلها ما اذا اوذيت فيه، لم يبق انسان يملك عينا من دمع ، وقلبا من تحسر، ولسان من شكوى.
إنسانية الإنسان أن لا يصار إلى إعدام من أًعدم مرارا قبل إعدامه، كما أن إنسانية الإنسان أن لا يعدم من لم يعد إنسانا، هذا إذا توافرت عناصر إدانته بما أسند إليه.
أيها السادة،
لا يستطيع الدفاع أن يفهم الحكم بإعدام من سبق وأعدم مرات عبر ما انزل به من مرائر سحابة ايامه في السجن ولياليه، وما أجري عليه من شكول الهلك وصنوف المكاره ، وما تناوبه من تقطيع أوصال تركه فريسة أهوال وأوجاع بدئت يوم اتهامه ولم تنته بعد.
الدفاع لا يستطيع ،ايها السادة ، أن يفهم كيف يمكن ان يعدم انسان لم يعد انسانا بعداحتضار طويل تألم فيه إلى أن اشفق الألم، وصبر إلى أن جزع الصبر، حتى ثقلت رجلاه ، ورعشت يداه ، فلا ينتقل إلا بجهد بعضه بعضا، وجد الداء إلى جسده المرهون طريقا سهلا ، وأمعن به ، وأثخن فيه، ثم أجهز عليه قبل أن يجهز عليه جلادوه.
الدفاع لا يستطيع أن يفهم كيف يمكن أن يحكم بغعدام من سجن وقهر كمثل ما سجن وقهر المكل، فخددت قضب الحديد وجهه ، وغضنت عينيه، واستذلت كرامته، وبدلت حسه ، وامتهنت فكره ، وشوهت إنسانيته وأمتحنته فيها، بحيث لم يعد إلا حجرا في بناء خرب، او هشيما في أرض يابسة.
الدفاع لايستطيع ان يفهم كيف يمكن أن يحكم باعدام من كان انسانا فصار كائنا مشلولا مغلولا لا يتحرك ولا يسكن الا بأمر، ولا يسير ولا يقف إلا في نظام ، يأكل حين لا يشتهي، ويشرب حين لا يعطش ، ينام حين لا يريد ، يستفيق حين لا يرغب، خافت الصوت ، خافض الجناح، ليموت في وحدة من الدنيا ووحشة من الناس.
الدفاع لا يري للإعدام معنى لأنه يرى أن الإنسان ، امام الاعدام اثنان:
واحد كمثل روبير برزيلاك الأديب الفرنسي الذي حكم باعدامه لتناصره والالمان وبعض الساسة الفرنسيين على اذلال بلده إبان الحرب العالمية الثانية، وآخر كمثل بيار لافال الذي حكم بالعقوبة القصوى لتعاونه ،وهو رئيس لوزراء فرنسا، مع الهدو الألماني أيام الحرب الكونية نفسها.
كان روبير برزيلاك آن تنفيذ حكم الإعدام به على حال من الشجاعة والجرأة والتعالي على الموت بحيث استأذن جلاديه ، وهو على أتم ما يكون من رباطة الجأش وصدق العزم، أن يأمرهم بإطلاق النار عليه .فارتضوا .وأمرهم.ومات الموت.ومات الجلادون. ولم يمت برزيلاك ، صاحب كتاب " الألوان السبعة".
وأما لافال فقد تخاذل ، وتداعى ، وتساقط ، وهوى يستنجد جلادا يجيبه ببعض شفقة، ويستجدي حياة أبت أن تكون لمن يستجديها.
فما الجدوى من الحكم بالموت على من استهان بالموت وتباهى به مثل برزيلاك؟
وما الجدوى من إعدام من حكم عليه ،كلافال،بموت لم يمت به بقدر ما مات من خوف منه؟
أيها السادة ، حكم القاضي ابن شريح يوما على رجل التقاه وعاتبه على حكمه.فقال ابن شريح: لئن رأيت أني لا أخطئ لبئس ما رأيت
أيها السادة ، سيلتقيكم الموكل ، ولن يعاتبكم ، لأنكم لن تخطئوا بإذن الله.
والسلام عليكم---------
والله أكاد أجزم بان القضاة لم يحكموا بإعدام المتهم وبقي الحكم لكم على هذه المرافعة الجميلة وأن تدعوا لنا بالتوفيق والثبات
تقبلوا تحيات أخوكم الوفي للمنتدى عامة والركن القانوني خاصة
الأستاذ/ سنوسي علي
المحضر القضائي