+
----
-
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
همة الشبان على أعتاب رمضان
((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))
[الذاريات:56]، إنها الغاية إذًا من خلق العباد؛ القيام بوظيفة العبودية
لله الواحد الأحد، رافع السموات بلا عمد، خلق الإنسان على هذه الصورة وهذا
التركيب الذي يسلب لب كل من طالع حقيقته، وسخر له هذه الكائنات العملاقة،
وجعل الإنسان يخلف بعضه بعضًا على مر الدهور، كل ذلك من أجل القيام بحق
هذه الغاية العظمى، فإن كانت هذه هي حقيقة الخلق، فإن هذه العبادة يلزمها
علو همة تتفق مع عظم المهمة.
علو الهمة لماذا؟
1- لأن التعبد بالتكاليف الشرعية أمانة عظيمة ناءت بحملها السموات والأرض والجبال ((إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)) [الأحزاب:72]،
فمهمة قد تأبت عليها السموات بعلوها واتساعها، والجبال بصلابتها وقوتها،
والأرض بانبساطها، فإن إنسانًا يحملها لحري به أن يكون أعلى من السموات،
وأقوى من الجبال وأكثر انبساطًا من الأرض في قبول التكاليف والقيام بها.
2- لأن العبادة أشمل من كونها تقتصر على
أركان الإسلام وبعض الشعائر المعروفة، فمحال أن يخلق الله الخلق ويرسل
الرسل ويهلك أقوامًا ويرفع آخرين، ويخلق الجنة والنار جزاءً، وترفع رايات
من أجل تحقيق العبودية، ويسخر للإنسان هذه المخلوقات، كل ذلك من أجل بضع
ركعات وصيام شهر.
إن مفهوم العبادة أشمل وأوسع بكثير من ذلك، فهي كما يعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة)،
إذًا فكل عمل أو قول يحبه الله ويرضى عنه فإنه عبادة؛ فالإصلاح بين الناس
عبادة، وكفالة اليتيم أو حتى المسح على رأسه عبادة، والنصيحة عبادة،
وإماطة الأذى عن طريق المسلمين عبادة، والرفق بالحيوان عبادة، وتربية
الأطفال وفق شرع الله عبادة، حتى المباحات فإنها تصير عبادات بالنية
الصالحة؛ فالطالب يجتهد في جامعته لخدمة الإسلام والمسلمين عبادة، والعمل
للتكسب والإنفاق على النفس والغير والتعفف عن السؤال عبادة.
فإذا كانت العبادة بهذا المفهوم الواسع فيلزم للقيام بها همة عالية تتناسب مع اتساع مفهومها.
3- كثرة العوائق والصوارف والشواغل، سواء
كانت داخلية تنبع من داخل الإنسان وطبيعته، أو خارجية في الوسط الذي يعيش
فيه، فتتجمع فيما بينها لتصرف الشاب عن القيام بواجب العبودية.
فالنفس التي تميل إلى الراحة والدعة والخمول تكون عائقًا للقيام بهذا
الواجب، وهناك الشيطان الذي يتفنن في صرف الشاب عن العبادة، وكذلك البيئة
التي تكتظ بالضغوطات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك كثرة
المغريات والملهيات.
إذًا فهو تحد، لا بد وأن يخوضه الشاب، مما يلزم معه همة عالية.
الأبعاد الغائبة للهمة التعبدية
عند الحديث عن علو الهمة كثيرًا ما يتبادر إلى الأذهان أن المراد بذلك
كثرة التضلع من الأعمال، فلإن كان ذلك من صور علو الهمة، إلا أنه ليس
الصورة الوحيدة التي ينبغي التركيز عليها، فهناك جوانب أخرى تبين علو
الهمة من سفولها:
1- المواظبة على الأعمال الصالحة والمداومة عليها، حتى ولو كانت قليلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل))
[صححه الألباني]، فالمداومة على العمل وإن قل يدل على همة عالية عند
صاحبه، لأن النفس تمل من الرتابة وترغب في التغيير وكسر المألوف، ولذا
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((يا عبد الله، لا تكن مثل فلان؛ كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) [متفق عليه]، فكأنه يرثي تارك العمل بعد المداومة عليه.
2- إتقان العبادة: فهذا يحتاج إلى همة عالية،
فقد يسهل على الإنسان أن يصلي مثلاً بربع من القرآن في ركعة، ويشق عليه أن
يتدبر ما يقرأ أو يتعايش معه ويستحضر معانيه، مع أنه لو تدبر لما شعر بأي
نوع من أنواع التعب، وكذلك الصوم، يسهل على الإنسان فيه ترك الطعام
والشراب والشهوة، لكن قد يصعب عليه أن يكف لسانه عن الوقوع في الغيبة،
ويكف عينيه عن النظر إلى ما حرم الله، ففي المثالين السابقين نرى أن جانب
الإتقان كان بعيدًا عن صاحبه، فيصير الأمر أقرب ما يكون إلى الاهتمام
بالمظهر عن روح العبادة وجوهرها، فعلى ذلك فالقليل المتقن أفضل من غيره
بلا إتقان.
3- ومن ذلك المحافظة على العبادة في أوقات
الفتور، فإنه يحتاج إلى همة عالية، فالفتور طبيعة وجبلة، يقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((لكل عمل شرة، ولك شرة فترة))
[صححه الألباني]، فالفتور عندما يعتري الشخص يحتاج إلى مجاهدة وعلو همة،
لأنه في هذه الحالة يفتقد العبد إلى الإحساس بالعبادة والدافع الإيماني من
القلب، فيؤديها مثلًا بغير خشوع، فعالي الهمة تكون فترته إلى سنة النبي
صلى الله عليه وسلم، فلا يفرط في الحد الواجب، ويقوم بالحد الأدنى من
النوافل.
4- القيام بها مع مراعاة الواجبات الأخرى:
فهذا يتطلب همة عالية، حيث أن الحقوق والواجبات كثيرة، من عمل وتعلم
وتكسب...، فيكون الشاب أحد رجلين: إما أن يفرط في تلك الحقوق لكي يقوم بحق
العبادة المطلوبة، أو يقصر في العبادة بحجة مراعاة الحقوق الأخرى، أما
عالي الهمة فهو الذي يجمع بين هذا وذاك، خصوصًا مع علمه بكيفية تحويل
العادة أو المباح إلى عبادة وأجر.
همة لشهر الأمة
ها هي نسائم رمضان قد استشرفت رحالنا، ليفد علينا بعد أيام ذلك الضيف
المرتحل، ليقبل علينا بنفحات الرحمة والمغفرة والخيرات من رب الأرض
والسموات، ولسنا هنا بصدد الحديث عن استقبال رمضان، فلذلك مقال آخر حيث
نقدر لذلك الاحتفاء والاستقبال قدره، ولكننا في هذا المقام نؤكد على أهمية
اغتنام لحظات هذا الشهر، والسعي لتحصيل خيره ونفعه، وهو ما يلزم همة عالية
تليق بهذا الضيف العزيز، لذلك نجمل في عناوين بعض المعينات على رقي الهمم
لاستقبال هذا الشهر:
1- اجتناب الذنوب والمعاصي؛ لأنها تضعف الهمم وتوهن العزائم بآثارها الوخيمة، وتقعد به عن ركب المتسابقين، ولله در الشافعي إذ قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ....* فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ....* ونور الله لا يهدى لعاصي
2- مصاحبة ذوي الهمم العالية، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) [حسنه الألباني]، فمصاحبتهم في الله عبادة، وكفى بالصحبة الطيبة من شرف أن خلد الله ذكر كلب أصحاب الكهف لما صاحب الأخيار.
3- الثقة في قدرات النفس البشرية، والتي أودع
الله فيها قوة وقدرة يجهلها الإنسان ذاته، فكيف لا يفجر هذه القوة ويشخذ
الإرادة النائمة لكي يقوم بأعظم مهمة على وجه الأرض.
4- الإكثار من القراءة عن فضائل الشهر الكريم، وما أعده الله للصائمين والقائمين والذاكرين.
5- التعرف على أحوال السلف الصالح في رمضان، وكيف كانوا يستقبلونه، وكيف كان عملهم فيه.
6- كتابة الأهداف التي يريد الشاب تحقيقها في رمضان، من عدد ختمات القرآن، والتصدق، وإفطار صائم، ...
7- كتابة برنامج عملي لما تبقى من شعبان،
وليكن الجدول متسمًا بالتدرج والبساطة لتهيئة القلب والجوارح لعبادات
رمضان، وهذا برنامج مقترح ينفذ خلال شهر شعبان:
- قراءة حزب من القرآن يوميًا في نصف الفترة المتبقية من شعبان، على أن يكون جزءًا في النصف الثاني.
- القيام بركعتين والوتر، يقرأ في كل ركعة ربعًا.
- الصدقة مرتين في الأسبوع بما تيسر.
- إطعام مسكين مرة واحدة أسبوعيًا بما تيسر.
- صيام اثنين وخميس مع تجنب صيام يوم الشك.
- اتباع جنازة كل أسبوع.
- المحافظة على أذكار ختم الصلاة وأذكار الصباح والمساء.
- المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة.
- أداء السنن الرواتب المؤكدة (2 قبل الفجر - 2+2 قبل الظهر - 2 بعد الظهر - 2 بعد المغرب - 2بعد العشاء).
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى العمل لما يحبه وي رضاه، وأن يعلي هممنا ويقوي عزائمنا، ويبلغنا رمضان، وأن يجعلنا فيه من المقبولين.