السمك بطعم المجاري!
في
أحد أحياء مدينة غزة الغربية يجلس رجل بملابس رثة ومتسخة، وثلاثة من
أبنائه لا يتجاوز عمر أكبرهم عشر سنوات منذ ساعات الصباح الباكر حتى غياب
الشمس في وسط مجمع القمامة ينبش ويفتش في أكياس القمامة التي يلقي بها
المواطنون وعمال النظافة، يقوم الرجل غير آبه بالحشرات أو الرائحة الكريهة
وحرارة الشمس بتصنيف القمامة، وما يستقبله من أكياس، وما تلقيه عربات
تجرها الحيوانات داخل مجمع النفايات.
في
يوم العالمي للبيئة في الخامس من حزيران / يونيو، سألته هل هذا عملك الذي
تقوم به، لم يجبني كررت السؤوال عليه أكثر من مرة، وتركني واستمر في نبش
الأكياس.
في
قطاع غزة احتفل عدد من المؤسسات المهتمة بالبيئة باليوم العالمي للبيئة من
دون أن يلقى ذلك اهتماماً كبيراً، من معظم قطاعات المجتمع بما فيها مؤسسات
المجتمع المدني، باستثناء المهتمين والمشاركين في النشاطات والفعاليات
المتمثلة بالجلسات التثقيفية للنساء، ودورات تدريبية للطلائع حول حماية
البيئة في مناطق مختلفة من القطاع، وتوزيع أكياس القمامة على بعض المحلات
التجارية مثل مذابح الدواجن و أصحاب الكافيتريات على شاطئ البحر.
وحلقات
إذاعية توعوية ويوم علمي للمختصين وحملات تنظيف الشوارع، و شاطئ البحر
والقيام برسم جداريات لفنانين فلسطينيين في مناطق بيت لاهيا، وبيت حانون،
وغرس الأشجار في محافظة خان يونس.
وبمناسبة
اليوم العالمي للبيئة الذي تبنى المشكلة البيئية العالمية المتمثلة
بالاحتباس الحراري على مدار ثلاث أعوام، تم اعتماد الشعار العالمي لهذا
العام ليوم البيئة لأن يكون " كوكبنا يستغيث بنا، فلنتحد من اجل تغير
المناخ ".
لم
يسمع ذلك الرجل وأبنائه باليوم العالمي للبيئة، ولا يدرك ماذا يعني، ومر
اليوم كأي يوم يمر في حياة الفلسطينيين، وليس في حياة ذلك الرجل الذي يمكث
طوال اليوم بالنبش في أكياس القمامة، واحتفلت المؤسسات والمهتمين بالبيئة
بيوم البيئة كباقي دول العالم التي تبذل كل ما تستطيع من إمكانات من أجل
الحفاظ على جودة البيئة و مكوناتها الأساسية.
لكن
تظل مشاكلنا مع البيئة تنتظر الاهتمام والتناول الجاد من جميع قطاعات
المجتمع والحكومة المقالة بشكل أكثر جدية ورقابة صارمة أكثر فعالية لما
يجري من إنتهاكات فظيعة وخطيرة خاصة للبيئة البحرية.
لفت
نظري الأسبوع الماضي التحذير الذي قامت به سلطة جودة البيئة في الحكومة
المقالة للمواطنين من السباحة في عدد من الأماكن على شاطئ البحر في قطاع
غزة الملوثة بمياه الصرف الصحي "المجاري" التي تضخ في بحر قطاع غزة، وحذرت
المواطنين من السباحة في سبع مواقع ملوثة، في حين أن بعض المصادر أكدت أن
هناك 12 موقعاً.
التحذير
جاء بعد بدء فصل الصيف والازدحام الشديد على شاطئ البحر المتنفس الوحيد
للمواطنين في القطاع، وعند سؤالي "ذكرى" الناشطة في مجال حقوق الإنسان
والبيئة، حول الخطر على البيئة البحرية وصحة الإنسان، قالت: إن الخطر على
حياة الإنسان كبير جداً، حيث يتم ضخ كمية من المياه العادمة سواء المعالجة
جزئياً، أو غير المعالجة نهائياً تقدر بحوالي 60 إلى 70 ألف لتر مكعب
يومياً مباشرة إلى البيئة البحرية، وذلك ينتهك حقوق المواطنين في الصحة
والحياة إضافة إلى انتهاك الحق في حماية البيئة للأجيال الحالية و
المستقبلية.
وتنتشر
على طول شاطئ البحر في قطاع غزة عدد من مصبات مياه الصرف الصحي "المجاري"،
بدون حماية او لوحات إرشادية تمنع المواطنين من الاقتراب أو السباحة في
محيطها خاصة في أماكن مأهولة بالسكان مثل شاطئ مخيم الشاطئ بمدينة غزة، و
يلاحظ بشكل كبير ألاف المصطافين وبعض الصيادين والأطفال على شاطئ البحر
وفي ذات المواقع الملوثة التي حذرت المؤسسات المختصة من عدم الاقتراب منها
لدرء الأخطار الصحية.
وحسب بعض المصادر
الطبية في قطاع غزة أفادت أنه تم رصد عدد من حالات التسمم المباشر جراء
تناول السمك الذي يعيش في المياه العادمة على شاطئ البحر، وهناك أنواع من
السمك تستطيع أن تتعايش ولا تتأثر بوجود المياه العادمة وتستطيع أن تعيش
لمدة كبيرة.
كما تخزن بعض
السموم داخل أجسامها ولا تتأثر بها، و لكنها تتسبب خطر على الصحة العامة
كأثر آني للتلوث بالمياه العادمة أو تسبب التسمم والإصابة بأمراض السرطان
على المدى الطويل إذا ما تم استهلاك كميات كبيرة من السمك، ومن بعض هذه
الأنواع التي تتميز بقشور مثل "الجمبري".
والخطير
أنه على المدى البعيد سوف تزيد أمراض السرطان نتيجة تناول السمك الذي يعيش
في المياه العادمة، و من الآثار السلبية الأخرى للتلوث الناجم عن المياه
العادمة على صحة الإنسان أنها تتسبب في الإصابة بأمراض جلدية معدية وغير
معدية، إضافة إلى التهاب العيون و أمراض الجهاز التنفسي، والأخطر من ذلك
إمكانية الإصابة بمرض السحايا القاتل جراء وجود مواد كيميائية وعضوية من
الكربونات والمعادن الثقيلة والفسفور والكبريت ومواد سامة أخرى.
والمواد البيولوجية في المياه العادمة، مثل الأحياء الدقيقة والطحالب والبكتيريا، وعدد من الكائنات الممرضة الأخرى.
أما
التأثير المدمر على البيئة البحرية فإن زيادة كميات المياه العادمة في
مياه البحر تعمل على استنزاف الأكسجين فيها ما يسبب هجرة أو قتل السمك و
الكائنات والنباتات البحرية الأخرى، بالتالي التسبب في التأثير سلباُ على
الاقتصاد حيث تنقص الثروة السمكية بشكل ملحوظ خاصة في الأميال البحرية
القليلة التي تسمح إسرائيل للصيادين الفلسطينيين بالوصول إليها.
الحصار
مستمر ولا توجد مؤشرات حقيقية لإنهاء الانقسام وفتح المعابر لإصلاح محطات
المعالجة وإنشاء محطات جديدة، أو حتى صيانة وتطوير مرافق الصرف الصحي
القائمة بوضعها التشغيلي الحالي، و إلى أن يتم ذلك فلا يكفي أن تقوم
مؤسسات المجتمع المدني بالاحتفال بيوم البيئة والتوعية منفردة.
فالخطر قائم ويمس
حياة المواطنين والصحة العامة، والبيئة ومكوناتها الأساسية من ماء و تربة
وهواء وبيئة بحرية، ومن أجل التغلب على الخطر يتوجب عملاً وتحدياً من
المجتمع والحكومة المقالة، وسلطة البيئة والمؤسسات المختصة التي حذرت
المصطافين وحددت أماكن الخطر، وبؤر ضخ المياه العادمة للبيئة البحرية، إلا
أنها مطالبة بالرقابة المستمرة ومنع المواطنين من السباحة في تلك المناطق
والصيد فيها، وزيادة توعيتهم و تثقيفهم بيئياً و صحياً، وإلا سيموت
المواطنين في القطاع، أو يأكلون السمك بطعم المجاري على أقل تقدير.