المميز المشرفون
عدد نقاط م.ر : 0 عدد الرسائل : 44 الدولة : السٌّمعَة : 10 نقاط : 124 تاريخ التسجيل : 21/07/2009
عدد دعوة الاعضاء مجموع عدد الاعضاء: 0
| موضوع: سلسلة فن المحاكمة ( 05 مقالات قانونية ) الخميس يوليو 30, 2009 5:08 pm | |
| الجزء الثاني والأخير يتبع للجزء الأول من المقال رقم : 06 فن المحاكمة .../... 2 ـ قواعد اللعبة: المحاكمة, كما يراها المؤلف, مهنة شاقة, جاحدة, تغير شكلها كثيرا. كل يلعب اللعبة كما يراها. ومن غير الممكن إعطاء نصائح ـ فهذا شيء خطير ـ ومع أن عملية المحاكمة عديمة الوضوح, يشير إلى إمكانية تأشير بعض قواعد اللعبة التي تتلاءم مع كل الأوضاع, ملخصا إياها في خمس قواعد: القاعدة الأولى: على القاضي تفحص ودراسة طرق عمله, ومحاكماته, والانتباه المتواصل لنفسه. وهو ما يفترض مقدرة كبيرة على التحليل. عليه استيعاب القيم التي يعمل بموجبها, وتطبيقها, والتمعن بتصرفاته, وبما يصدر عنه (وهذا بالنسبة للقضاة غير المهنيين ليس في غاية الوضوح), والوعي بالحدود الدقيقة لمهنته. القاعدة الثانية: الحذر من نفسه ومن تحديات الآخرين, أفرادا ومجموعات. وهي قاعدة ملزمة. وعدم الانسياق في التبسيط, والسير على خطى غيره (العمل كما يعمل الآخرون من زملائه). و الرضوخ للاعتبارات التي تمس بما يعالجه من قضايا, والآلية في العمل, واللجوء المفرط لأحكام القضاء jurisprudence. فالمحاكمة تكون لكل حالة بذاتها (فليس هناك تطابق كامل في القضايا ). القاعدة الثالثة: تجنب المبالغة في تقدير مهمته, وكل اعتقاد غير واضح بتفوق القاضي, والاعتراف بعدم معرفة أشياء كثيرة. قلا احد يملك اليقين, خاصة عندما يلف الغموض الكثير من القضايا. فالقاضي يعمل على الاحتمال: وهذا ما يُجبر على التواضع, وعلى الحذر من الاستسلام للأفكار المسبقة, وعلى المزيد من التحفظ. وهو لا يعلم دائما إذا ما قام بالمحاكمة على أفضل وجه أم لا. والقاضي الذي يعتقد كثيرا بما يقوله أو يفكر به, والمتأكد دائما من نفسه وفي كل الأحوال, يخاطر بالاحتفاظ بواجبات مهامه وينحدر إلى الرداءة. القاعدة الرابعة: تنظيم الأفكار, والمعرفة الجيدة لواجبات الصفة, و لحدود وكالته كقاض. وتحديد قواعد اللعبة بشكل متقن وحسب موقعه في النظام القانوني. وبشكل خاص معرفة طرح الأسئلة الصعبة, الأسئلة الجيدة حول ممارسته لمهنته: ـ هل قدت جيدا هذه القضية إلى نهايتها؟ ـ هل وجدت الحل الجيد المعقول, الذي يوفق بين الاتجاه الصحيح, والعدل, والقاعدة القانونية المطابقة للنظام القانوني؟ ـ هل كنت قطعيا, غير حذر, ومتطرف؟ ـ هل كنت نزيها, مستقيما مع نفسي؟ هل لجأت للغش؟ ( يكون غش النفس عند اللجوء للتسوية, وتجاهل بعض الحجج التي تربك طروحاته). ـ هل خصصت الوقت الكافي الضروري للتعمق الواعي في الملف؟ ـ هل كنت في الكنيسة في الوقت الذي كان علي أن أكون فيه في القصر العدلي؟ ( يشير المؤلف هنا إلى ما كان يردده P. Crasset عام 1675 : يجب إرضاء الواجبات الملقاة على عاتقنا قبل العبادة. " لا تفصل أبدا خدمة الله عن الوجبات الملقاة على عاتقك, لا تعتقد أبدا ان من المرغوب فيه التواجد في الكنيسة عندما يكون التواجد مطلوب في قصر العدالة" ..". " احتفظ بدقة بالقواعد المنظمة لمهامك. فهذا حق للناس وهو قيد على حريتك. لا يمكنك التنكر له وتدعي مع ذلك العدالة"). " امتحان الضمير المطلوب ممارسته بشكل دوري, لا يبدو دائما مريحا لبعض القضاة. فالقاضي لا يحب أن يرى ضعفه, وعيوبه. يريد أن يعتقد بكل ثمن بأنه قاض جيد وناجح. القاعدة الخامسة: تتطلب مهنة القضاء الكثير من المرونة الفكرية, والشجاعة. لا يجب الاعتقاد بوجود طريقة محاكمة دائمة, فالتغير يتبع التجربة في الحياة, و التقدم في السن, و هبوط المهنة أحيانا, الذي لا يمكن تجنبه (المحاكمة المتطرفة, والمحاكمة المتسرعة تقودان بالضرورة إلى نتائج غير مستحبة وتهبط بمستوى المحاكمة). وليس استيعاب الصعوبات, كما يشير المؤلف بالأمر السهل: فالمطلوب من القاضي أن يتحدى ذاته, ولكن هل هناك طرق ملائمة لفعل ذلك؟. لا يستطيع احد النصح بكيفية التصرف, خارج امتحان الضمير الذي يجب إعماله دوريا, مع أنه أمر صعب وشاق. من المعتاد أن يعيش الإنسان تبعا لتقاليد وعادات وأعراف الهيئة التي ينتمي إليها, ويرى في هذا راحة كبيرة. يربطه هذا بعلاقات غير مرئية, في الوقت الذي عليه الاجتهاد وبذل الجهد للتعود على التفكير النابع منه هو, وامتلاك المقدرة والشجاعة لإظهار تميزه. رغم ما قد يخلق له من مشاكل في المحكمة التي لا تحب الأفكار المستقلة. (ودليل ذلك ما يظهر جليا في المداولات في القضايا الهامة). 3 ـ توجهات مستقبلية: يعترف المؤلف انه من الصعب جدا التنبؤ بتوجهات فن المحاكمة مستقبلا, طالما بقي الغموض والضبابية, واضطراب الرؤية, تلف الوضع الحالي للمحاكمة. ومع ذلك يمكن تأشير العوامل غير المواتية التي تعمل على الهبوط "المحتمل" بها: العامل الأول: يمكن أن تلحق بالمهنة عيوبا كبيرة, يتسبب فيها الاتجاه المتنامي للمنهجية الحالية (فبركة أنظمة لا يجري مراجعتها لاحقا). و توقعات الأحكام (تحت ضغوط المحامين, ورجال القانون الجنائي, وأساتذة الجامعات). وآلية المحاكمة ( ازدياد متواصل باتجاه التجريم , والأحكام المسبقة, والتعميم , والاعتقاد المفرط بقوة أحكام القضاء, تحت ضغط الشُرّاح الذين هم في غالبيتهم من القضاة ..)هذه الميكانيكية في الحقوق تثقل النظام القضائي, وتقيد حرية القاضي. العامل الثاني: يلاحظ اتجاها متزايدا للمبالغة في سلطة القاضي. وهذا واضح منذ 20 عاما. فهو يتدخل في مجالات تفتقد للوضوح, ويُجبر فيها على منح ثقة كاملة "للخبراء". مع ازدياد الفعاليات إلي يُراد للقاضي الذهاب فيها بعيدا, هو شيء خطير, وتنسيه قواعد الاعتدال الضرورية, ويكون فيها غالبا "مضلل" من قبل المحامين (الذين يستغلون بشكل مبالغ فيه اللجوء إلى المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان). العامل الثالث: تزايد التشابه, وحتى المطابقة بين تصرفات وشخصيات القضاة, ويعود إلى التكوين الأساسي والمتشابه, ولانهيار بعض التقاليد, والانقطاع عن نشاط وفعاليات المجتمع ( قاضي القضائي العادي يجهل الأعمال, والمشاريع, والإدارة). (ويؤمن بقانون خارق القوة, و"بمبادئ عامة" للقانون التي تعود في الواقع للسياسة أو إلى ما وراء الطبيعة). العامل الرابع: عدم تفكير القاضي وتأمله من وقت لآخر بالمهنة, وبمبادئها, وعدم الخشية من الهبوط بمستواه إلى مادون مستوى مهامه. وعدم المعرفة الدقيقة لحدود وكالته, أو الاهتمام بالنتائج المتوقعة للأحكام التي يصدرها. و تجذر روحية الهيمنة لديه, والثقة الزائدة بنفسه وبتقنياته, متناسيا نسبية الحقوق وتنوعها بمقتضى المصالح العامة والاجتماعية. وكثيرا ما تبدو حساسية بعض القضاة واضحة تجاه وسائل الإعلام, média , والرأي العام. كما تبرز قويا ظاهرة التبسيط, وعدم اهتمامه بان يكون هو نفسه مصدر أفكاره. مهنة القضاء مهددة في الاتجاه نحو التدني في العشرين سنة القادمة. فمفهوم الفردانية الإنسانية في طريقه إلى الاختفاء. هذه نظرة متشائمة جدا, كما يقرر المؤلف نفسه, ويدعو للنظر والتفكير بالعوامل غير المرئية المحرضة على تشويه صورة ومكانة القاضي: ـ تأثير النماذج الأجنبية, وبشكل خاص الانكلو ـ سكسونية, المعتمدة على طرق أخرى في التفكير في الحقوق, والتي تحاول المؤسسات الأوروبية فرضها بكل ثمن, بالتواطؤ مع بعض القضاة, وبالتعاون مع المحامين. ـ تأثير النظريات السياسية والعقائدية الغامضة, الهادفة لتوسيع سلطات القاضي في المجتمع, وصولا إلى جعله سلطة منازعة للهيئة السياسية وللمشرع. ـ تأثير الثغرات في التكوين القانوني والفلسفي (أو الديني) للقاضي, وهذا متوقع في آفاق الأعوام بين 2010 و 2020 . المحاكمة , كما يراها, مهنة تفرض أخلاقية عالية جدا, تضمن استقلالية القاضي, ومقدرته على مقاومة كل الضغوط, فردية كانت أم جماعية. قواعد فن المحاكمة معرضة لمخاطر أكيدة وجدية, أمام محاولات تهديم التقاليد التي تضمن الاعتدال عند القاضي. فيُراد, على سبيل المثال, فرض فصل التحقيق عن الحكم, باسم مبادئ غير واضحة للحكم "العادل", ولكن لا احد يعلم كثيرا أين وكيف سندخل في هذا التوجه. خاتمة: في خاتمة مقتضبة, يعلن المؤلف بأنه لم يقدم في مؤلفه هذا إلا خلاصة الخلاصة "كنا نطمح لتخصيص 800 صفحة لفن المحاكمة". ومع ذلك ألا يمكن, كما يقول, استخراج بعض الدروس من هذه التحليلات "الاحتياطية"؟ : الدرس الأول: لكل قاض كامل الحرية في فهم مهمته, وفي طريقته في المحاكمة, وفهمه لواجبات الصفة, وهذا عائد له كليا. لا احد يمكنه أن يقدم إليه النصائح. وبقدر تقدم السن بالقاضي بقدر ما يتقيد بما تفرضه عادات الجسم القضائي المنتمي إليه, وبقدر ما يكون أسير العلاقات غير المرئية. الدرس الثاني: ضرورة النظر, قبل التفكير بفن المحاكمة, بحياة القاضي, وبالعقبات التي تواجهه عند المحاكمة. هذا التفكير يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المتنوعة في مهنة القاضي, وهي ليست سهلة. ومع ذلك يجب أن يأتي اليوم الذي نستطيع فيه بناء فينومولوجيا للمحاكمة. الدرس الثالث: يمكن الحلم بفن محاكمة أمثل, ومع ذلك فان هذا ليس إلا حلما, لدينا معدلات غير متوقعة للأحكام الرديئة , وغير المرضية, أو المعيبة: لا أحد يهتم بالخطأ أو بهبوط المستوى, لا احد, على ما يبدو يبحث عن ميكانزم المحاكمة (هناك خوف مما قد يتم اكتشافه ..). ولكن المجتمع سيطالب ألان أو مستقبلا بالتوسع إلى حدود بعيدة بتقنيات المحاكمة. ـــــــــــــــــ وأخيرا, وفي خاتمة هذا العرض ــ الذي اضطررننا لتسهيل القراءة ولسهولة النشر تجزئته إلى 5 أجزاء ــ نتساءل : ـ أليس من المفيد أن يقوم من هم في بلداننا, في طور التعيين في السلك القضائي, وكذلك المحامون المتدربون, بتقديم دراسات وبحوث في هذا المجال ؟. ـ ألا تصلح الكثير من العناوين والنقاط, المطروحة فيما سبق, للدراسة المعمقة. ـ أليس على الأساتذة القضاة الكبار, والمحامين, تعميق مثل هذه المواضيع وإثرائها بخبراتهم وتجاربهم. وتحقيق حلم المؤلف الذي أراد التوسع لوصول بحثه إلى 800 صفحة؟. ـ أليس في هذا خدمة للعدالة, وبالتالي خدمة للمتقاضين طالبي العدالة ؟ د. هايل نصر المصدر نفسه الجزء الثاني والأخير .إلى اللقاء في سلسلة قانونية أخرى مع تحيات الأستاذ / سنوسي علي المحضر القضائي | |
|