التقاضي الإلكتروني أو نحو إرسال المحامي بالفاكس
الجـــــــــزء الثاني والأخير
نماذج حية من التقاضي الإكتروني:
وقبل أن اعرض للقارئ الكريم موقف رجال القانون من ممارسين وباحثين من التقاضي الإلكتروني أحببت أن أقدم له بعض النماذج عن هذا النوع من التقاضي
1- النموذج الصيني- الكمبيوتر القاضي-:
حسب خبر تناقلته مؤخرا وكالة "شينخوا" الحكومية توجد في مدينة زيبو - في إقليم شاندونج - محكمة "إلكترونية" أصدرت ألف حكم قضائي بالإعتماد على برنامج كمبيوتري متطور يحفظ كافة القوانين والأنظمة، وظروف الإدانة المحتملة، والقضايا المماثلة التي صدر فيها حكم سابقا..
وقبل الاحتكام للقاضي الإلكتروني يعد الدفاع والادعاء معطياتهما على قرصين مدمجين (cd)يملكان نفس السعة - وقد يطلب القاضي الالكتروني رأي القاضي البشري بخصوص بعض التفاصيل الخاصة أو الإنسانية الفريدة قبل أن يقوم بإصدار الحكم والعقوبات المفروضة
2-النموذج السنغافوري- التحكيم بلا تعقيد:
في 17-9-2000 – أي قبل ثماني سنوات- أقدمت سنغافورة على افتتاح أول محكمة الكترونية من نوعها في العالم على شبكة الانترنيت متخصصة في فض وتسوية النزاعات المتعلقة بالتجارة والأعمال الالكترونية على الشبكة
مهمتها:
أنشئت المحكمة لتكون آلية لفض المنازعات التي حتمتها طبيعة التجارة الإلكترونية وبخلاف التجارة التقليدية وتباعد المسافات الجغرافية بين التجار والشركات أو بينهم وبين زبائنهم وإيجاد أحكام سريعة وواضحة في الشؤون الإلكترونية حيث ماتزال معظم دول العالم تفتقد للقوانين التي تحكم هذا النوع من التجارة، كما تختص بفض الخلافات حول ملكية عناوين النطاق أو ملكية أفكار إلكترونية والدعاية على الانترنيت.
علاقتها بالمحاكم العادية:
تعمل هذه المحكمة حسب تصريح رئيس قضاتها – يونغ بوها- على أساس آلية المحاكم القانونية السنغافورية وبالاشتراك مع 7 جهات قانونية على رأسها وزارة العدل السنغافورية والمجلس الاقتصادي التنموي ومحاكم الخلافات الصغيرة ومركز فض المنازعات والمركز الدولي السنغافوري للوساطة.
إجراءات التداعي فيها:
تتم إجراءات المحاكمة- مجانا- بان يقدم المدعي بياناته في استمارة مخصصة لذلك على موقعها على الانترنيت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ويستلم على الفور رقم قضيته ثم تقوم المحكمة بمراسلة المدعى عليه في ظرف 3 أيام من استلام الدعوى . ولطابعها التحكيمي لابد من قبول المدعى عليه التقاضي أمامها بان يملا بدوره استمارة مماثلة تتضمن إضافة إلى بياناته قبوله التقاضي أمامها ودفوعه حول الدعوى خلال 4 أسابيع من استلام صحيفة الدعوى.أما في حالة عدم رده في هذه المهلة لا تنعقد الخصومة وتشطب الدعوى من جدول قضاياها.
يمكن للمحكمة أن تفصل بنفسها في المنازعة وفق جدول زمني محدد بإمكان الأطراف أنفسهم اقتراحه ، كما يمكن لها أن تنظم لقاء بين أطراف المنازعة أو تطلب وثائق تتعلق بها مع ضمان سرية هذه الإجراءات وتفاصيل القضية.
كما يمكن أيضا للمحكمة أن تختار جهة من الجهات الـ7 المشار إليها أعلاه ولها أن تستعين بالخبراء القانونيين الخارجيين على أن في هذه الحالة على المدعي أن يدفع مبلغا معينا من المال.
وعلق وزير العدل السنغافوري "هو بنغ كي" على المحكمة بقوله : "سواء رضينا بذلك أم لا فإن الإنترنت جعلت من عمل المحاكم اليوم عابرا للحدود؛ وهذا ما سيجبر رجال الأعمال والمال على اختيار الأسلوب الأمثل للتعامل شبكيا في المستقبل" .
2- النموذج البرازيلي- العدالة المحمولة-:
في البرازيل يستعين القضاة الجوالين في الخطة التي أطلق عليها " العدالة على عجلات" ببرنامج الكتروني لتقويم شهادة الشهود والأدلة الجنائية بطريقة عملية في مسرح الجريمة حيث يصدر الحكم في مكانها بالغرامات وأحيانا بالسجن ، والفكرة حسب مصمم البرنامج القاضي "فالس فيو روزا" عضو محكمة الاستئناف العليا في ولاية "اسيريتو سانتو" التي اختبر فيها البرنامج لا تعني أن يحمل هذا الأخير محل القضاة الحقيقيين ولكنه يجعل من أدائهم أكثر كفاءة فمعظم حلات الحوادث الصغيرة التي يطلب فيها البت بسرعة لا تتطلب سوى بعض الأسئلة البسيطة دون الحاجة إلى تفسير القانون ذلك أن عملية تحديد الحكم تعتمد على المنطق المحض حال وصول فريق العدالة المحمولة إلى موقع الحادث خلال 10دقائق وأشار المتحدث في مجلة نيوساينست البريطانية إلى أن البرنامج يقدم للقاضي عدة بأكثر من خيار للجواب عنها؛ مثل: "هل توقف السائق عند ظهور الضوء الأحمر"، وهل كان السائق قد تعاطى المشروبات الكحولية فوق المعدَّل الذي حدّده القانون؟" وغيرها من الأسئلة التي لا تحتاج إلا الإجابة بنعم أو لا ثم يصدر الحكم بعد ذلك.
ونوّه إلى أن البرنامج يطبع مبررات الحكم إلى جانب الأحكام البسيطة مؤكدًا إمكانية تجاوز الحكم الذي يصدره البرنامج إن اختلف مع رأي القاضي البشري. وقد أكد متحدث باسم مكتب وزير العدل البريطاني في تعليق له على هذا البرنامج أن على السلطات القضائية أن تقتنع أولاً بخلوّه من أي خطأ قبل أن يستخدم في المحاكم البريطانية
النماذج العربية :
ماتزال النماذج العربية للمحاكم الإلكترونية في بداياتها حيث أن بعض الدول العربية وفرت للمتقاضي في المحاكم الوطنية خدمة الاستعلام عن بعد فيما لا يزال العديد من هذه الدول يخطو خطوات محتشمة خشية من عواقب هذه التقنيات الحديثة أو لعدم اقتناع المسؤوليين العرب بفعالية هذه الخدمات أو لقلة الكفاءات الملمة ببرامج الإعلام الآلي في الأجهزة القضائية لهذه الدول
نموذج خاص- المحاكم الافتراضية على المنتديات:
قبل مدة تبادرت إلى ذهني فكرة أن أطرح على أحد منتديات القانون – وهو منتدى شؤون قانونية في موقع
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ولقيت الفكرة قبولا حسنا لدى مرتادي المنتدى ثم مالبثت الفكرة أن انتشرت على عدة منتديات أخرى وبعدة أسماء وعدة اختصاصات كالرياضة " الفيدرالية الافتراضية" والأدب " محكمة الحب" وأحينا تأخذ اسم الموقع مثل محكمة الجوارح ...الخ
وتقوم الفكرة على التداعي بين أشخاص وهميين حول حقوق وهمية وتسير إجراءاتها وفق القوانين العادية مثل قوانين الإجراءات المدنية والجزائية وقوانين الكنفدراليات الرياضية وغيرها .
ونجاح هذه الفكرة مرده التعطش لدى طلبة الحقوق وكذا العامة إلى التقاضي في بيئة الانترنيت حيث يمكن للمتقاضي ولأعضاء المحكمة أن يمارسوا الإجراءات كما لو كانوا في محكمة عادية وهم ممدون على فراشهم أو أرائكهم الوثيرة ويرتشفون فنجان قهوة.
موقف رجال القانون من التقاضي الإلكتروني:
إن مواقف رجال القانون من فكرة التقاضي الإلكتروني تختلف باختلاف ثقافة ومشارب هؤلاء الرجال ويمكننا تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف رئيسية
- طائفة ليس لها موقف محدد من المسألة باعتبارها مسالة حديثة تتطلب التريث قبل إصدار الأحكام عليها وقبل أن تكون محل تجارب ميدانية ودراسات معقمة تحيط بجوانب المسألة
- وطائفة ثانية تؤيد هذه الفكرة لما فيها من تسهيلات على المتقاضين وعلى الممارسين على حد سواء كما يعتبر البعض أن التعامل مع الآلة أفضل من التعامل مع الإنسان فهي لا تفرق بين متقاضي وآخر لا من حيث المظهر ولا المركز الاجتماعي كما أنها لا يمكنها أن تتلقى الرشوة لتغليب طرف على آخر...
- وأما الطائفة الأخيرة فإنها ترفض صراحة الفكرة لاعتبارات شخصية وأخرى نظرية ومن هذه الاعتبارات الاخيرة
• إن التقاضي الإلكتروني يلغي روح القانون إذا ما احتكمنا للآلة على الطريقة الصينية أو حتى البرازيلية كما يلغي حقوق الدفاع في كثير من الأحيان بتقليص فرص المطلوب في أن يستفيد من الدفوع الإجرائية والموضوعية التي هي أساس مهنة المحاماة كما تلغي حقه في الاستفادة من المشاعر الإنسانية التي يطبعها العفو والتسامح والظروف المخففة ...
• انه يشكل خطرا على جهاز العدالة وعلى سرية الإجراءات وسرية التحقيق كما يجهز على السر المهني وكذا خصوصيات الأفراد في ظل تنامي ظاهرة الهاكرز اللذين لم يعد يصعب عليهم اختراق أصعب أنظمة المعلوماتية المعقدة بما يفتح مجالا أمام المجرمين والنصابين بالتلاعب بالأدلة وتغييرها لصالحهم أو ضد غرمائهم .
• كما أن التحكيم الإلكتروني على الطريقة السنغافورية يفتح الأسئلة حول حجية الأحكام التي تصدرها مثل هذه المحاكم وسبل تنفيذيها أو وضعها موضع التنفيذ في ظل اختلاف التشريعات الدولية وعدم تطرق الكثير منها لهذه النوعية من المنازعات والأحكام الصادرة بشأنها كما أن تنفيذ نصوص التحكيم المعروفة في التجارة التقليدية قد تكون قاصرة على إيجاد حلول منطقية للوصول إلى تنفيذ تلك الأحكام.
وفي الختام نقول أن العصر الذي نعيش فيه قد فرض أنماط عيش جديدة ومختلفة عن تلك التي عهدناها من قبل وإن الإنسان الذي خلق الآلة والتكنولوجيا قادر على الاستفادة منها إلى ابعد الحدود، كما يقدر على إيجاد الأجوبة على تلك التساؤلات المشروعة لرافضي فكرة القضاء الإلكتروني ولو خضنا اجتهادا في الإجابة عن تلك التساؤلات لفتحنا صفحات أخرى كثيرة وأسلنا حبرا يمكن أن نقتصده لوقت الحاجة
للموضوع عدة مصادر تم الاستفادة منها بتصرف
الأستاذ/ سنوسي علي
مراجع البحث:
موقع اسلام اون لاين
موقع الحوار المتمدن
موقع جريدة الرياض السعودية
موقع وكيبيديا
موقع دار الحياة السعودي.[/b]
مع تحيات الأستاذ/ سنوسي علي
المحضر القضائي